في هذه الدنيا يعيش الخلقُ بقلوبٍ مختلفة،وهمومٍ متفاوتة،وكل إنسانٍ منا يُشبه الوعاء بما يحتويه والفرقُ بين الإنسان والوعاء هو أنه لا يوجد إنسانٌ خالٍ من الهم والتفكير والتخطيط لما يُفكرُ فيه سواء أكان ما يفكر فيه صحيحاً أو خاطئاً ، مناسباً أو غير مناسبٍ.
بعضنا غارقٌ في سبات أحلامه العاطفية ، وآهاته الحزينة،وقد حمَّلَ نفسه هم التفكير في ذلك المحبوب الذي لا يواصله ، ولا يبادله الخُلة بنفس المستوى الذي يأمله من حبيب شغل عليه ليله ونهاره ، وغدوه ورواحه.
وهناك من هو غارقٌ مع هموم تجاراته ومرابحه وخساراته قد أجهد ذهنه واستنفد عمره في الدينار والدرهم الذي قد ارتبط به فرحه وحزنه وولاؤه وبراؤه وقد نسي المسكين أن الدنيا مهما كان إغراؤها لاتستحقُّ أن يُفنى العمر من أجلها ذلك أنَّ القناعة هي خيرُ ما يدخره العبد لنفسه وليس معنى ذلك أبداً ألا يسعى للرزق ولتحسين أوضاعه المادية لأن هذا من العبادة ولكن فرقٌ كبيرٌ بين من يجعل الدنيا أكبر همه وبين من يتوازن بين المطالب الدنيوية دون تفريط فيما تتطلبه الآخرة.
المسلم لا يعيش حياته لأجل هذه الدنيا فقط بل إنه يحقق المعادلة التي غفل عنها غيره ممن يعتنق الملل والنحل المنحرفة ، فالمسلم يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً.
المسلم مختلفٌ تماماً عن غيره فهو يعلم جيداً بأنَّ من كانت الدنيا أكبر همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتبَ له،ويعلم كذلك أن من كانت الآخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي صاغرة.
من كان همه حسن العلاقة مع الله تبارك وتعالى فلاشك أنه سيكون في طريق الفالحين لأنه لا يوجد همٌّ أعظم من الهم بالله تبارك وتعالى والسعي إلى إرضائه لأنه هو الذي بيده مقاليد الأمور وهو الذي يمنح الرزق وبالقرب منه يحصلُ الأنس والسعادة والطمأنينة.
كم من الناس لا يملك من المال إلا ما يبلغه ويسدُّ رمقه ورمق من يعول ولكنه يعيش سعادةً عجيبةً لا نظير لها وما ذلك إلا لأنه قد جعل همه الأخروي يتغلبُ على كل هم وهو ولا شك ما يبعث على الجدية وعلى العمل المتواصل وعلى الإنتاجية التي يتعدى حدود نفعها من ذات الشخص إلى المجتمع عموماً وهو ما يحفز على القول بأنني لم ولن أجد هماً خيراً وأشرفَ منه